الأحد، 14 أغسطس 2011

اوباما ودارفور


اوباما ودارفور
بقلم سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر
بموجب القرار (1593) الصادر في 31/3/2005 أحال مجلس الأمن الدولي قضية دارفور الى محكمة الجنايات الدولية ومنذ ذلك الوقت تم تدويل المشكلة بشكل كبير وأصبحت الدول الغربية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية تحمّل في كثير من تصريحات مسئوليها الحكومة السودانية كل أوزار الحرب وتداعياتها في المنطقة حيث اتهموها بإبادة الجنس الأفريقي الأسود في دارفور وكأن دارفور بها عرقان أفريقي أسود وعربي أبيض، كما اتهمت الحكومة بممارسة جرائم حرب أخرى من شاكلة الاغتصاب الجماعي وتهجير سكان دارفور من قراهم وما إلى ذلك من تهم غير أن مسئولين كبار في الإدارة الأميركية السابقة وكذلك مسئولون أمميون زاروا الإقليم استبعدوا حدوث إبادة جماعية، ورغم انشغالها بالمستنقع العراقي والأفغاني لم تنشغل إدارة بوش بمتابعة وتحريك إطارات ملف دارفور داخل محكمة الجنايات الدولية وداخل مجلس الأمن الدولي بل مع حلفائها في المنطقة والعالم.
وتفيد الأنباء الواردة من واشنطن أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك حسين اوباما الذي ينحدر من أصول سودانية كينية سوف يولي قضية دارفور اهتماماً فائقاً ليس من منطلق عرقي فحسب بل من منطلقات أخرى عديدة لعل أهمها على الإطلاق أن الإدارة الأميركية السابقة بقيادة بوش فشلت كثيراً في احتواء هذه المشكلة كما فشلت في الإيفاء بوعد بوش في إقامة الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية) بل شهدت غزة في أخريات أيام الإدارة الراحلة أبشع حرب تشنها إسرائيل الحليف الاستراتيجي لأميركا في المنطقة مما أدخل الإدارة الجديدة في حرج بالغ كان لا بد معه من إجراء الكثير من التغييرات في السياسة الخارجية لأميركا ولو على المستوى التكتيكي إذ صرّح اوباما قبيل تسلمه منصب الرئاسة أن لديه كلاماً كثيراً حول المشكل الفلسطيني الإسرائيلي وذلك في معرض تعليقه على الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة ولكن لان هذه المشكلة معقدة لدرجة كبيرة فإن اوباما ووزير خارجيته هيلاري كلينتون سوف يعملان على دفع ملف دارفور باتجاه التسوية حيث أبانت السيدة كلينتون لدى استعراضها السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة أمام الكونغرس، أن الإدارة تلتزم إيقاف (الخراب) في دارفور لم تقل إيقاف الحرب بل الخراب نعم لا فرق بينهما إذ الحرب خراب، ولكن أخطر ما صرّحت به في تلك الجلسة هو أنها والرئيس ونائبه وغيرهم قد يعملون إلى فرض منطقة يحظر فيها الطيران فوق دارفور كما كان الحال مع مناطق الأكراد في شمال العراق حتى سقوط نظام صدام حسين بمعنى منع الجيش من التحليق في كل سماء دارفور وربما كردفان في إطار سياسة التضييق على الحكومة في محاولة لدفعها القبول بكل ما تمليه هذه الإدارة الجديدة عليها من املاءات.
وتفيد الأنباء الواردة من هناك أيضاً أنه ربما تعمل الإدارة الجديدة على استصدار قرار من مجلس الأمن يسمح بقصف الطائرات والمدرجات حتى داخل الخرطوم لشل الذراع الجوي للجيش الذي طالما اتهمته فصائل دارفور بأنه قام بقصف قرارهم وتشريد أهاليهم وقد تقوم الإدارة الأميركية بمثل هذه الأعمال بمفردها في حال عدم تمكنها من استصدار قرار كهذا. ونشير هنا إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون (زوج هيلاري وزيرة الخارجية الجديدة) كان قد أمر بقصف مصنع الشفاء في الخرطوم بحري بحجة انه يصنع أسلحة كيماوية، ومن المؤكد أن الرئيس الأسبق كلينتون سوف يكون المستشار السياسي الأول لزوجته لكن إلى أي مدى يمكن أن تنجح السيدة كلينتون في إقناع اوباما القيام بخطوات تصعيديه في قضية دارفور؟ وهل من شأن خطوات كهذه أن تسرع بالحل المنشود؟ لا أحسب ذلك ولا أحسب أن أوباما سيعمل على تكرار أسلوب سلفه بوش المتمثل في استخدام العصا وحدها لحمل الحكومة السودانية وإرغامها على قبول أي تسوية تقترحها الإدارة الأميركية لكن بالتأكيد سوف تعمد هذه الإدارة إلى توسيع العقوبات المفروضة على السودان في محاولة منها للضغط على الحكومة السودانية لتقديم كل التنازلات الممكنة سواء في مفاوضات الدوحة المرتقبة أو أي مفاوضات تسوية للقضية في أي مكان آخر، وقد يؤدي نجاح الإدارة الأميركية الحالية بقيادة أوباما إلى تطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم، إذ سيكون هذا النجاح أولى الانجازات لهذه الإدارة في إفريقيا، وحتى ذلك الحين فسوف تعمل هيلاري كلينتون برفع سيف محكمة الجنايات الدولية في وجه الرئيس البشير والحكومة لممارسة المزيد من الضغط أيضاً ليس بهدف تصفية الحكومة بل لإخضاعها حتى تتماشى مع السياسة الأميركية الجديدة التي لن تختلف قطعاً عن سياسة الإدارة السابقة مع السودان إلا في حال انتهاء أزمة دارفور، وهذا يفرض على الحكومة المزيد من التنازلات سواء على صعيد مساعدة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في استكمال نشر قواتهما في دارفور أو الكف عن مهاجمة ومطاردة فصائل دارفور حتى وإن قامت الفصائل بخروق هنا أو هناك بهدف إرسال رسائل إليها والى المجتمع الدولي بجديتها في الجلوس إلى طاولة مفاوضات بهدف الوصول للحل الشامل غير أن ذلك لا يمنعها من ممارسة حقها في حفظ الأمن داخل المدن ومنع اجتياحها وغزوها من قبل بعض الحركات.
لن تكتفي إدارة أوباما بقرع جرس الإنذار حول دارفور مرة أخرى كما قالت هيلاري أمام الكونغرس مؤخراً لكنها ستسعى بشتى الوسائل الممكنة وغير الممكنة للضغط على الحكومة لإنهاء المشكلة في دارفور وستكون في مقدمة الأدوات التي سوف تستخدمها (مجلس الأمن الدولي، وتوسيع العقوبات، وفرض حظر الطيران، وتحريك محكمة الجنايات الدولية، ودفع الحركة الشعبية باتجاه العمل على فصل الجنوب عن الشمال من خلال الاستفتاء المرتقب ، مما يستدعي من صناع القرار في السودان إلى إعمال العقل والعصف الذهني الجيد، للتعامل مع هذه المعطيات جميعها سيما إذا كانت ستؤدى إلى حلّ المشكلة.
أمام الحكومة فرصة ومتسع من الوقت للتحرك على أكثر من صعيد وأول هذه الصُعُد في تقديري محكمة الجنايات الدولية التي نتوقع أن يصدر من قضاتها قرار بحق الرئيس عمر البشير لذا على الحكومة السودانية دعم الوفد الذي سوف يتشكل من قطر والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ويتوجه قريبا إلى مجلس الأمن بهدف إقناع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإعمال المادة(16) من نظام روما الأساسي، من أجل تأجيل الإجراءات الخاصة بجميع الإحالات المرفوعة إلى محكمة الجنايات الدولية بشأن دارفور وقد تساند كل من الصين وروسيا في معارضة توقيف البشير لأن عملية الإيقاف من شأنها أن تساعد في المزيد من تدهور الأوضاع في دارفور ومن شأن معارضة قرار الإيقاف والعمل على تجميده أن يهيئ المناخ لجلوس الأطراف كافة إلى طاولة مفاوضات الدوحة وصولاً إلى تسوية ترضي الجميع سيما إذا علمنا أن أميركا لا تريد أن تظهر بمظهر الداعم للمحكمة الجنائية الدولية خاصة أنها نجحت في عام 2002 في تضمين فقرة تستثني قواتها من الخضوع لسلطة المحكمة لمدة عام كامل في القرار الخاص بتجديد بعثة حفظ السلام في البوسنة حيث كان لديها عديد من القوات هناك وكانت قد هددت بإعاقة كل بعثات السلام حول العالم عن طريق الفيتو لذلك قد لا تتشدد أميركا كثيراً في تمرير قرار بإيقاف البشير لو دعمته دول عدم الانحياز والمجموعتان العربية والأفريقية إلى جانب الصين وروسيا.
ومعلوم أن مجلس الأمن كان قد أصدر في يوليو 2008 القرار رقم (1828) والذي قضى بتمديد بعثة الأمم المتحدة في دارفور لمدة عام ووردت فيه إشارتان تخصان الحركات المسلحة مفادهما أن المجلس يأسف لرفض بعض الجماعات المسلحة الانضمام إلى العملية السلمية وإدانة لجميع حالات قطع الطرق واختطاف السيارات وكان المجلس في السابق دائماً يحمّل الحكومة تدهور الأوضاع ويتجاهل عن عمد الإشارة إلى التجاوزات العديدة التي تقوم بها هذه الحركات هناك وانطلاقاً من هذا يتوجّب على الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية وقطر مهمة عسيرة تتمثّل في إقناع كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا بالضغط على الفصائل المسلحة بذات القدر الذي تضغط به على الحكومة وإقناعها بأهمية الجلوس إلى طاولة المفاوضات دون قيد أو شرط، لو كانت هذه الدول فعلاً حريصة على إحلال السلام في السودان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق